Saturday, 18 June 2022

الفنان أحمد صبري غباشي لـ«جسور بوست»: الإيمان بالذات والإصرار طريقي للانتصار"حوار"



الفنان أحمد صبري غباشي لـ«جسور بوست»: 

الإيمان بالذات والإصرار طريقي للانتصار"حوار"

  كتبت: إيمان كمال الوراقي، عن موقع جسور بوست

إنسانيات - عروض فنية

28 مايو 2022

ما الذى يجعل من البعض ناجحين ومن عملهم إبداعًا، بينما يبدو عمل آخرين عاديا غير جاذب، يقول الثائر تشي جيفارا: "إنهم يقولون الظروف أقوى وأنا أقول الإصرار والتصميم أقوى"، فأصعب ما يواجه الشخص الموهوب ألّا يكون هناك تكافؤ في الفرص بينه وبين من هم أقل موهبة وجهدًا.

يظل الإيمان بالنفس والرغبة في تكسير الحواجز، معركة يؤمن فيها الموهوب بأنه ثمة معركة لا هزيمة فيها، ثمة معركة كل نتائجها انتصار، وهي معركة تحقيق الحلم والوصول إلى الهدف مهما بدت المسافة بعيدة.


من هؤلاء، الفنان الشاب أحمد صبري غباشي ممثل ومخرج وكاتب مصري، نموذج شبابي متعدد المواهب، استطاع رغم عزفه منفردًا فرض موهبته على الساحة الفنية بالمشاركة بأكثر من 30 دورا في ما يزيد على 30 مسلسلا وفيلما، كما أدى للمسرح أكثر من 50 دورًا، كما كانت له مساهمات في الإعلانات أيضًا.

واستطاع النجم الشاب التمثيل أمام نجوم الصف الأول كالفنان الكبير يحيى الفخراني، وكريم عبد العزيز ونيللي كريم، ومحمد ممدوح، وأشرف عبدالباقي وغيرهم.

حصل غباشي على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية -قسم تمثيل وإخراج- وعُين معيدًا بكلية فنون السينما والمسرح جامعة بدر.

يقال في المثل الصيني: "إذا كانت لديك الرغبة المشتعلة في النجاح، فلن يستطيع أحد إيقافك"، ولعل هذا ما آمن به الفنان الشاب الفائز بجائزة أفضل ممثل عن دور ثانٍ مرتين في مهرجان المعهد العالي للفنون المسرحية، كذلك جائزة أفضل ممثل في مهرجان عيون السينمائي الدولي، ولقب أفضل مخرج لعام 2012 عن مسرحيته: "عزازيل، في مهرجان آفاق مسرحية، كذلك قام ببطولة فيلم الدرويش الذي تم عرضه في ركن الأفلام القصيرة في مهرجان "كان" بفرنسا.

صدر لصبري 4 كتب، قصص قصيرة ومقالات، أشاد به الأديب الراحل دكتور أحمد خالد توفيق وكتب مقدمة أول أعماله.

"جسور بوست"، حاورت النجم الشاب باعتباره نموذجًا شبابيًا وأيقونة في العمل بجد واجتهاد للسعي والإصرار على تحقيق الحلم مهما كانت العقبات.



يدفعك ما يسمى بـ"الحق في الحلم" إلى بذل مجهود مضنٍ رغم ما تقابله من عقبات تعيق وصولك، حدثنا عن ذلك؟


أعتقد أنني تخطيت مرحلة الحق في الحلم، وحاليًا في مرحلة تحقيق الحلم والاستمتاع بقهر العقبات وتذليلها، خاصة أنني واجهت صعوبات كبيرة كأن أواجه ما يسمى بـ"الشللية والمحسوبية"، ومثل معركتي الشهيرة مع يوسف زيدان، وضياع فرص كبيرة بسببها. 

ومثل برنامج "عرب كاستينج" الذي شاركت فيه، وتم وصمي بأنني ممثل فاشل من بعض رواد "السوشيال ميديا"، لقد قابلت كمية إحباطات كبيرة كانت كفيلة بإلزامي بالجلوس في المنزل، لكنني لم ولن أفعل، لديّ حالة إصرار لإيماني بموهبتي وطاقتي الكبيرة وحبي للفن والعمل، أجتهد لجعل هذا الحلم واقعًا ملموسًا، أسعى إلى تحقيق أفكاري وجعلها واقعًا سواء أكان ذلك في مجالات "التمثيل أو الكتابة أو الإخراج"، ولذا فحياتي سلسلة من الطرق المختلفة التي ربما تتسبب في تشتيتي، والحمد لله لا يحدث هذا، وبالفعل تم إفراز عدة كيانات ابتكرتها، ودشنت عدة منصات ونوافذ تسطيع دعمي مستقبلًا كصفحات "ض"، و"ميلوفرينيا"، كمنظومة مسرح و"عيش وسيما"، و"بيتك ومسرحك"، 



و"باتنين جنيه أفلام"، وهو المشروع الذي أعول عليه في الفترة القادمة، واسمه الساخر لا يعبر عن عشوائية يدار بها المشروع، على العكس أعماله صنعت باحترافية عالية ومعدات تؤهله للعرض على شاشات ومنصات كبيرة.



رغم ما تمر به الساحة الفنية، استطعت خلق "تيمة" خاصة لنفسك، وفرضت موهبتك على الوسط، كيف فعلت ذلك؟


تعودت على ألا أعلق ظهوري من عدمه على أحد، نعم هناك محسوبية وخلافه لكنني أعتمد على سعيي الميداني كدراستي 7 سنوات أكاديمية بعد 5 سنوات دراسة في مسرح الجامعة، لذا تعمدت خلق لنفسي كيان موازٍ أتواجد من خلاله كما وضحت سابقًا، مع مرور الوقت أصبحت دراستي مؤثرة وبالطبع أفادتني ووجدت مردودًا بعد سنين، 

كذلك أفادني تجميعي لجمهور أستاذي الكاتب أحمد خالد توفيق، الذي قدمني ككاتب وممثل، أحاول أن أسعى في حدود المتاح، فكثيرًا ما يمنعني حيائي من طلب فرصة من أحد، أحافظ على كرامتي، ودائمًا حريص على التزاوج بين الأدب والفن، وكذلك التزاوج للجمهورين، ومع الوقت يغدو الأمر أشبه بكرة جليد، عمل وراء آخر. مع الوقت كانت النتيجة أن صنعت لنفسي حيزًا وشخصية ومن ثم اسمًا فنيًا، وإن كنت لم أحظَ ببطولة عمل لكنني أعلم أنها ستأتي، وليس هناك عام يمر دون أن أشارك في عمل. 



ما الذي تحتاجه فئة الموهوبين من شباب الفنانين كي يساعدهم على تطوير أنفسهم ونجاحهم في هذا المجال الصعب؟


من السهولة بمكان أن ألقي خطبًا تظهرنا نحن فئة الشباب مهضومة حقوقنا، وليست لدينا فرص، وهذا حقيقة وواقع بالمناسبة، لكنني لا أحب الشكوى ولا ألجأ إليها، نحتاج فقط إلى أمور أخرى، كالإيمان بأنفسنا والإصرار على تحقيق الأهداف، لأن هناك معوقات كبيرة، كل الناس عايزه تمثل، وجميعهم يريد أن يكتب، فإن لم تكن قدر التحدي في بيئة مليئة بالمكائد والصراعات، فستكون حتمًا في مشكلة.




بخلاف كونك ممثلًا أنت مؤلف، ما القضايا التي تحب الكتابة عنها مستقبلًا وهل الكتابة عن المرأة من اهتماماتك؟

بالدرجة الأولى أكتب أدبا "رواية وقصة قصيرة"، لا أسير في طريق أن لديّ قضية بعينها أتناولها من خلال الكتابة، دائمًا ما أكتبه يكون إفرازًا لما أعيشه وخبراتي الفلسفية والحياتية، وهو ما يحدث مع التمثيل والإخراج، ولهذا كل مسرحياتي جديدة كتبتها، وإن كنت لا أفتعل الكتابة عن المرأة إلا أنها حاضرة بقوة في كتاباتي وبشكل تلقائي، أراها الحياة تحضرني جملة العظيم نجيب محفوظ: "كلما رأيت امرأة شعرت أني أرى الحياة تمشي على قدمين"، هي الحياة بكل ما فيها من جمال وجاذبية وتعقيدات وتناقض، متداخل جدًا مع المرأة وأهتم بدراستها وانعكس ذلك على مسرحياتي وكتاباتي وما أخرجته من أفلام.


من أهم أساتذتك وكيف أثروا فيك؟



كثيرون، أبرزهم أستاذي أحمد خالد توفيق الذي وجهني ودعمني في مناحٍ عدة من حياتي، على مستوى المسرح والفن، سامي عبدالحليم أستاذ بمعهد الفنون المسرحية وتعلمت منه الكثير، والأساتذة، محمد أبوالخير وأيمن الشيوي، وجلال الشرقاوي الذي عملت معه مخرجًا ودرَّسَ لي في المعهد، كثيرون لكن هؤلاء أبرزهم لخروجهم عن حيز التعليم الدراسي، وكانت لهم مساهمات في جوانب أخرى فنية وإنسانية، وقبل كل هؤلاء كان والدي، كان معلمي الأول زرع بي حب القصص، فمنذ نعومة أظافري كان يحكي لي الحكايات، طريقة حكي والدي حببتني كثيرًا في الأدب.


فيلمك "الدرويش"، هل من الممكن أن نعتبره تضامنًا مع المشردين وما هي رسائل العمل؟


رسالته مزدوجة، يمكن اعتباره تضامنًا مع المشردين، وكذلك يمكننا اعتباره تضامنًا مع المبدعين الذين يُشردون لعدم أخذ حقوقهم البديهية في هذه الحياة.


كل سنة يكون هناك عمل راقٍ على الأقل، لست من أنصار ما يردد من مقولة "زمن الفن الجميل"، على اعتبار أنه كان موجودًا ولم يعُد، بالطبع الموضوع يزيد وينقص، وأحيانًا يغلب الطابع التجاري، لكن بشكل عام الغالب من الأعمال يبعد عن الهوية المصرية وروحها، وهذه مشكلة، صناع الدراما يسعون إلى تقليد "تكنيك" الصورة الأجنبية إخراجا أو كتابة أو أحداثا، لذلك عند وجود كتابة أصيلة مأخوذة عن رواية مصرية يكون العمل فارقًا، مثال عمل "جزيرة غمام"، عُرض رمضان هذا العام، ومنذ سنوات كان "أفراح القبة" للعلامة نجيب محفوظ، وأعمال أخرى أخذت الطابع المصري واضحة الهوية، وحينها يكون حدثًا يستحق الاحتفاء. 

يقولون إن السينما مرتبطة بالسياسة.. فهل انتعاشها أو انحسارها تعبير صادق عن طبيعة المرحلة؟

لا، تتأثر بها، لكن ليسا مرتبطين في نظري، السينما أعم وأشمل، على العكس تتحايل على السياسة، حينما تشدد عليها الرقابة، تلجأ للرمز، لكنها تتأثر به بالطبع، الفن يعكس البشر والمجتمع والاقتصاد وجميع نواحي الحياة، ومع الوقت يتحول الفن إلى وثيقة هامة، ويحضرني تعبير للفنان الراحل نور الشريف: "الأفلام عبارة عن آثار حية"، بالفعل حينما أشاهد فيلمًا كفيلم" العزيمة" صناعة الثلاثينيات، هو أثر بما فيه من بشر وأماكن وأزياء واللغة وغيرها. 


<script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-8895563876333108"
     crossorigin="anonymous"></script>

أحمد صبري غباشي.. من «الشخبطة» إلى مهرجان كان السينمائي

 

أحمد صبري غباشي.. من «الشخبطة» إلى مهرجان كان السينمائي


كتب: محمود حافظ، عن موقع شبابيك
الأحد 29-04-2018 11:52 صـ

أحمد صبري غباشي، ممثل وكاتب ومخرج، جمع بين أكثر من موهبة ونجح في أكثر من مجال، بعدما ترك دراسته الأصلية، واتجه نحو شغفه. يحكي «غباشي» لـ«شبابيك» تجربته مع هذه الفنون من البداية في هذا التقرير.

كتابة وتمثيل
غباشي مع كريم عبد العزيز وأحمد خالد توفيق
أشاد به الأديب الراحل دكتور أحمد خالد توفيق وكتب مقدمة أول أعماله، ووصل فيلم من بطولته إلى مهرجان كان في فرنسا، كما شارك الممثلين المشاهير مسلسلاتهم مثل كريم عبد العزيز، ونيللي كريم، فكيف كانت البداية في حب الكتابة والتمثيل؟

لأنه عشق الكتابة منذ صغره، يحكي «غباشي» عن محاولاته الأولى الطفولية في نسخ الكتب الأخرى وكتابة اسمه على غلافها، ويقول باسمًا: «كنت أتعب من النسخ فتكمل أمي ما تبقى من الكتاب على أن أكتب اسمي فقط في النهاية!»، بعد هذا جاءت مرحلة «الشخبطة» كما يسميها، فبدأ يؤلف قصصًا ساذجة يكون مصيرها عادة سلة القمامة.


 
حين شعر مع الوقت أن كتابته صارت أرقى وأفضل، كانت أولى محاولاته الجادة في 2004 حين اشترك في مسابقة كبرى اسمها «المورد الثقافي» على مستوى 6 دولة عربية بقصته «متحضر»، وفاز مع 6 ستة مشتركين آخرين.


الكتاب الأول «نادمًا خرج القط»
استمرت المحاولات أيضًا في المنتديات الأدبية والمدونات، فكانت خير معين له حين ينقده القراء الآخرين، حتى أرسل قصصه إلى الأديب الراحل أحمد خالد توفيق، والذي مدح كتابته ونشر قصة له في باب خاص بأعمال القراء في سلسلة «فانتازيا».

وفي عام 2006، أنهى «غباشي» كتابه القصصي الأول «نادمًا خرج القط»، وأرسله كاملاً إلى خالد توفيق، طالبًا رأيه في العمل مع مقدمة بقلمه، وهذا ما لم يحدث من قبل مع أي قارئ آخر، لكن الرجل أجاب طلب تلميذه، وكتب مقالاً عن الكتاب.


 
يعتز «غباشي» كثيرًا بكتابه الأول ومقال الدكتور أحمد عنه، خاصة أن صدور الكتاب كان في 2008 بجانب كتابين مهمين، هما «يوتوبيا» و«عزازيل» وتعددت طبعاته بعد هذا في أكثر من دار نشر.

عشق التمثيل
يعتبر «غباشي» نفسه كاتبًا في المقام الأول، فهو لم يتجه للتمثيل سوى لحب الأدب، فقد عشق المسرح في سنوات الجامعة وقطع شوطًا كبيرًا فيه، جسّد الكثير من الأدوار المهمة.

أكثر من 50 دورًا على المسرح، منهم نصوص لشكسبير و«فيكتور هوجو» وغيرهم من عظماء الأدباء، وكتب الكثير من النصوص لمسرحياته وأخرجها كذلك.

بين الدراسة والشغف
غباشي أثناء تصوير أحد أفلامه
في 2011 تخرج «غباشي» من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، لكنه راجع حساباته واكتشف أن مستقبله في الشيء الوحيد الذي يحبه، الفن بنوعيه، تأليف القصص وتجسيدها أمام الجمهور.

اعترض الأهل في البداية، لكن سعي ابنهم الدائم في مجال الفن، وارتفاعه من مستوى الموهبة للاحترافية، جعلهم يقبلوا ويباركوا خطواته، بل صاروا يدعموه.

 
التحق بمعهد الفنون المسرحية ليقضي فيه أربع سنوات، ويتخرج عام 2017 متصدرًا ترتيب دفعته، وحائزًا على أكثر من جائزة في أدواره على المسرح.


أعمال غباشي الأدبية الأخرى
تابع الفنان الشاب مشواره الأدبي والتمثيلي بالتوازي، فأصدر 3 كتب أخرى، منها مجموعة قصصية بعنوان «حياتك الباقية» مع كتابين آخرين، أولهما قصص خفيفة بعنوان «مثلاً»، وتجميعة لمقالات قبل ثورة يناير بعنوان «الشعب يريد إسقاط النظام».

يخطط لإصدار نص مسرحي سابق له بعنوان «جحيم دكتور رفعت» المستوحى من كتابات أحمد خالد توفيق.


 
أما في المسرح، فقد أخرج وكتب أكثر من عنوان مهم، أشهرهم معالجة مسرحية لرواية «عزازيل» ليوسف زيدان، ومسرحية «الفيل الأزرق» عن رواية أحمد مراد، مع الكثير من نصوص المسرح العالمي.

السينما 


أفلام غباشي القصيرة
من أفلامه القصيرة المهمة «الدرويش» الذي عُرض في مهرجان «كان» الفرنسي عام 2015، وأيضًا فيلم «مزامير داوود» الذي يناقش علاقة الأديان بالموسيقى، مجسدًا فيه دور النبي داوود عليه السلام.

أيضًا كانت له تجربة مهمة في الأفلام الوثائقية من إنتاج شبكة الجزيرة، بتجسيد دور قائد بيت المقدس في الحروب الصليبية.

الدراما التليفزيونية



غباشي والفنان محمد ممدوح من كواليس مسلسل «اختفاء» 
كان الظهور الأول له في الدراما عام 2014، في مسلسل «تفاحة آدم» مع الفنان خالد الصاوي، وأتبعه بأدوار أخرى في أعمال تاريخية مثل مسلسل «قضاة عظماء» بجزئيه، ومسلسل «السلطان والشاه». وفي رمضان 2017 مثل دورًا في مسلسل الزيبق مع كريم عبد العزيز، وله دور آخر في مسلسل «الشارع اللي ورانا».

وفي رمضان 2018، يقدم غباشي دورا مع الفنانة نيللي كريم في مسلسل «اختفاء»، وفيه يجسد دور صديق البطلة في حقبة الستينات.


يقول «غباشي»إن طريق الفن والتمثيل مليء بكل ما يمكن تصوره من العقبات والمشاكل.

العبرة هنا أن يكمل الموهوب طريقه، ولا يعلق موهبته على رأي لجنة تحكيم من ثلاثة أشخاص، رفضهم له لا يعني أنه ضحل أو سيء، هناك أسباب لا تحصى لهذا، والمحسوبية ليست آخرها.

أحمد صبري غباشي...درويش الفن الهائم

أحمد صبري غباشي...درويش الفن الهائم 




كتب: محمود قدري

الأربعاء، 8 أغسطس 2018


تنبهت لاسم أحمد صبري غباشي لأول مرة,بعد قيامه بدور الراهب هيبا ممسرحاً عن رائعة يوسف زيدان"عزازيل",ولم يتح لي مشاهدة العرض الذي قدمه إلا حين احتواه عالم الإنترنت,فأثار إعجابي و أشعل جذوة الأمل الحماسية في داخلي للفن عموماً,فوسط  كل هذا الهراء ينبت من أرض بلادنا الطيبة شجرة جديدة,تمتص السموم وتنفث عبير الفن والإبداع,وبين التنبه والإعجاب مضت سنوات كثيرة كان غباشي في عيني مثال حالم للحالة الفنية,فهو في الأصل أديب له قصص شائقة يغوص فيها في عالمه الداخلي والخارجي,بأشكال فنية تخرج عن مفهوم الحدوتة ومضمون ينبو عن السطحية,وممثل ومخرج مسرحي يحرز نجاحات في محراب أبي الفنون المقدس,ومؤخراً بدأ يظهر في الدراما التليفزيونية  بصورة لافتة,ولا أدعي أني تابعته ,قلة من الأعمال الحالية  هي التي شدتني لمشاهدتها,وهذه الليلة وبعد إعلان بعرض فيلم"الدرويش"الذي  يقوم ببطولته علي صفحته,بقيت متيقظاً-رغم حاجتي للنوم ليلاً للصبر علي  ضجيج النهار-لأني أثق فيما يقدم فانتظرت حتي رأيت...

وما رأيته يستحق  الانتظار والسهر...

يقدم المخرج خالد منصور بكاميرته لحظة انبلاج الصبح,البراءة والفطرة مع صوت ندي يشدو"قصدت باب الرجا والناس قد رقدوا",ثم يسقط من هذا العالم السماوي إلي قاصدي رجاء آخر والناس قد تيقظوا كل يسعي إلي حاله,وفي مشهد معبر يوضح هوان الثقافة برفض أحد المارة أخذ ديون الصعاليك للشاعر صلاح الطيب بدون مقابل"مليش في الشعر"ثم يظهر متشرد نائم في العراء توقظه صوت سارينة لا نعلم هل هي حقيقة أم من خياله,فيركض خوفاً تاركاً قلمه علي الرصيف,وفي لقطة ذكية ندرك أن هذا المشرد هو نفسه صلاح الطيب,وفي ذات اللحظة يُستدعي للذهن الفنان العظيم نجيب سرور,الذي ممن يُهدي إليهم الفيلم في النهاية.

طوال النهار وقطعاً من الليل,لا يردد غباشي"الدرويش"إلا ورقة قلم,يعرض عليه  صاحب كشك بسكويت بدلاً من الورقة والقلم,فيضحك في سخرية رغم الجوع الذي يعتصره,تلفظه الشوارع ويهرب منه الناس,بمظهره الأشعث وملابسه المتسخة التي تشي بمأساة رجل تجرد من كل شئ إلا قلبه...

وعبر لقطات فلاش باك نتعرف علي صلاح الطيب في مجده,ثم تهرب الوسط الثقافي منه-الفيلم يعتبر إدانة للوسط الثقافي-ونتعرف أكثر علي أداء العزف المنفرد بمصاحبة الكاميرا لأحمد  صبري غباشي,أداء يثير الشجن واتهام الذات بل وجلدها علي ضياع العديد من المواهب في الشارع,نجيب سرور,وعبد العزيز مكيوي مثالان شهيران علي ذلك,فمن لايملك الموهبة يتسيد المجالس والمبدع الحقيقي لا يجد الورقة والقلم,ويكتفي بأكل وشرب ما يصادفه في الشارع!

يبدأ صوت الدرويش في الإعلان عن نفسه شعراً بقصيدة مصطفي إبراهيم"المولوية"بعد أن أهدته فتاة تعرف قدره قلماً,لكنها سرعان ما انشغلت بتحويل روايتها لفيلم,وورقة من بين أقدام مدعيان ممن يملأون مقاهي وسط البلد صخباً وسخفاً,وفي النهاية نراه يرقص رقصة خفيفة مع ديوانه الذي وجده ملقي في الشارع,رقصة درويش حقيقي لا يعترف إلا  بفنه وكلماته,محلقاً فوق عالمنا الأرضي القاسي,متحرراً من حاجات الجسد والتزامات المجتمع رقصة"العشوقية والمعشقة".

وينتهي  الفيلم بصوت أم كلثوم مفعماً بالحيوية والأمل"يا صباح الخير يا اللي معانا"...نهار جديد يحياه( الدروايش).

المنصور ابن المنصورة



مقطع من عمل أدبي لكاتب شاب صديق:


"خالد محموم بالمنصورة ، بتراث المنصورة ، شوارعها ، مبانيها القديمة ، حدائقها انها تعويذة تلتصق بروحه 

خالد كشف غمام الأسمنت والألوان الباهتة من علي عيني وجعلني أرى منصورة غير التي كنت أعيش بها وأتجول في شوارعها الرئيسية وفقط.

لقد اختطفني الي الحواري وتاريخها .. أُشير له علي مبنى فيذكر لي تاريخه ليس كإنسان ألي أو مدرس دراسات إجتماعيه متفاخر.

بل كفنان حالم .. بعد أي سؤال عن مبني أو شارع يقف وينظر الي عيني في إعجاب ومن ثم يحرك رأسه يمينا يساراً في حاله من الإنبهار ويبدء في لمس الجدران ويقرب رأسه للطوب ويتنفس رائحة العطن والزمن معاً من جدران أي مبني ويبدء في السرد والحكايه ويتحرك وهو يحكي وأنا صامتة تماماً.

خريطة المنصورة كانت متسربه مطبوعة كسائل في دمه ، وحين تسأله عن شيء ما يتدفق مجسم المبني أو الشارع فوراً الي قلبه فيحكي بهذا الشغف والحب والحلم.

تذكرت المرة الأولي التي أتي بي الي قصر ثقافة المنصورة ، رغم أننا في الربيع إلا أنني شعرت بقشعريرة هزت جسدي حين تذكرت هذا اليوم .. لامست بطني كي أتحسس جنيني الذي لا يستقر بالي علي اسمه الي الأن 

كانت تتحرك تضرب بفُتات يدها أو قدمها في جدار بطني .. ضحكت ضحكة مقطوعة مع ضربتها الأخيرة 

وعُدت بالزمن أذكر كي كان خالد يُمسك بيدي نتحرك من المشاية السفليه كي نكون أمام قصر الثقافة في شارع الجمهورية العلوي 

سألت خالد في رفض غير معلن صراحة 

مسرحية أيه دي يعني اللي هنروحلها قصر الثقافة ؟

وقف خالد أمام الجزء الأقرب من حديقة صباح الخير يا مصر للهابلاندي 

ونظر الي بشغف وقال :

يا بنتي دي مسرحية كاست أداب .. يعني سعيد المنسي وأحمد صبري غباشي وعمرو إمام 

رددت عليه بأسلوب إستفاهمي إستنكاري 

أيوه يعني مين دول ؟ أنا روحت مع بابا قبل كدا وانا صغيرة مسرحية كده أوكيه 

رفع خالد حاجبيه مستنكراً وبابتسامه 

قالي 

كده أح**

ومسك بيدي ثانية ومن ثم أسرع في خطواته كي ندخل لقصر الثقافة وهو يتكمل حديثه 

دي مسرحية " حكاية فاسكو " يا أمل 

رددت في تململ 

فاسكو أمممم

أشاح برأسه يمينا ويساراً دون أن ينظر اليّ في إشارة عن فقدان الأمل 

كان خالد يَدين لكلية الأداب بالولاء الشديد والحب الجَم شأنه شان كل ما يتعلق بمدينته الأفلاطونية في رأسه وفقط 

أتخذنا مقعدين في الوسط بمسرح قصر الثقافة الكبير للغاية والذي كنت أدخله للمره الاولي وشهدت علي حضور الكثيرين ولم أكن أتوقع هذا الحضور القوى 

بدأت الموسيقي التصويرية للمسرحية والإضائات 

خَطفني نَمط الإضائه الأحمر والأزرق والأخضر وكانت الموسيقي العظيمة كأنها تخرج من الإضاءه 

بدأت حكاية فاسكو .. 

ولم ألتفت لخالد لحظة واحده خلال العرض ، خالد هو من كان يلتفت الي انتباهي وإتساع عيني وقسمات وجهي وهي تتفاعل مع أحداث المشاهد وأداء الممثلين 

رغم أنني أدعي أنني كاتبة سيناريو إلا أنني كنت كاتبة متكبره أجهل مستصغر شرر الفن الذي من الممكن أن يخلق إبداعاً غير إعتيادي 

أسرني شخصية كاكو التي أداها أحمد صبري غباشي وكذلك كوميديا عمرو إمام السوداء التي أداها بحرفيه ورفيقهم البطل علي ما أظن كان اسمه معتز 

بعد انتهاء العرض و ضج المسرح بالتصفيق والصفير 

كنت أصفق بشراهة وإيمان وأنا أقف .. وخالد ينظر الي نظره المنتصر 

كأنه يقول لي هذا درس اليوم يا ست هانم 

خرجنا مع الكثيرين بعد إنتهاء المسرحية واتجهنا الي الهابي لاند انا وخالد كي يُوصلني الي منزلي في توريل 

تحدثت معه طويلاً عن الأدوار في المسرحية وكيف أنها الهمتني بسيناريو جديد لبطل وبطلة بين المسرح وكَدر الحياة في الخارج 

أوصاني خالد بأن أشتري كتاب أحمد صبري غباشي " نادماً خرج القط " الذي كتب مقدمته العراب أحمد خالد توفيق 

سجلت توصيته في نوت الموبايل .. 

وأخذ يبدى انبهاره بأداء أحمد صبري ويرسم حلما أنه في سنوات سيكون بعيدا عن أجواء المنصورة ويحارب علي شاشات السينما في القاهرة .. كان ينتصر لنجاح غباشي الذي لم يراه واقعا لكنه كان يحلم بابن المنصورة الذي سيزهر فنا .

كان ينتصر لغباشي لأجل حبه للمنصورة و أبنائها المميزين .

وقبل أن نصل الي مقر الحزب الوطني علي النيل 

وقفت في المنطقة المجاورة له من الرصيف والتي كانت تتسع شيئاً ما ونظرت الي النيل 

ومن ثم أخذت أكرر كلمات علقت في ذهني من المسرحيه جاءت علي مارجريت بطلة المسرحية وانا أتحرك بشكل مسرحي 

" من يحلم يمتزج بالهواء " 

كان خالد يقف يشاهدني وفي عينيه صمت وحب يسعني أنا والنيل والمنصورة وحكاية فاسكو في هذه الليلة جميعاً بكل أمان .

كنت أتنفس هواء المنصورة لأول مرة بنقاء .. حكاية فاسكو هذه الليلة فلترت كثيراً من شوائب رُوحي .. حتي أنني نظرت للنيل ولأضواء طلخا علي الضفة المقابلة بحنان لم أعهده علي نفسي من قبل ..

كنت أحلم وأمتزج بهواء المنصورة بكل ما تحمله الكلمة من معني ، أحلم أن أمتزج بخالد وبهواءه هو للأبد بلا إنفصال كان خالد يأخذ بيدي هذه الأونه الي عالمه رويداً رويداً .. وكان عالمه محاصر في المنصورة وأنا معه .