أحمد صبري غباشي...درويش الفن الهائم
كتب: محمود قدري
الأربعاء، 8 أغسطس 2018
تنبهت لاسم أحمد صبري غباشي لأول مرة,بعد قيامه بدور الراهب هيبا ممسرحاً عن رائعة يوسف زيدان"عزازيل",ولم يتح لي مشاهدة العرض الذي قدمه إلا حين احتواه عالم الإنترنت,فأثار إعجابي و أشعل جذوة الأمل الحماسية في داخلي للفن عموماً,فوسط كل هذا الهراء ينبت من أرض بلادنا الطيبة شجرة جديدة,تمتص السموم وتنفث عبير الفن والإبداع,وبين التنبه والإعجاب مضت سنوات كثيرة كان غباشي في عيني مثال حالم للحالة الفنية,فهو في الأصل أديب له قصص شائقة يغوص فيها في عالمه الداخلي والخارجي,بأشكال فنية تخرج عن مفهوم الحدوتة ومضمون ينبو عن السطحية,وممثل ومخرج مسرحي يحرز نجاحات في محراب أبي الفنون المقدس,ومؤخراً بدأ يظهر في الدراما التليفزيونية بصورة لافتة,ولا أدعي أني تابعته ,قلة من الأعمال الحالية هي التي شدتني لمشاهدتها,وهذه الليلة وبعد إعلان بعرض فيلم"الدرويش"الذي يقوم ببطولته علي صفحته,بقيت متيقظاً-رغم حاجتي للنوم ليلاً للصبر علي ضجيج النهار-لأني أثق فيما يقدم فانتظرت حتي رأيت...
وما رأيته يستحق الانتظار والسهر...
يقدم المخرج خالد منصور بكاميرته لحظة انبلاج الصبح,البراءة والفطرة مع صوت ندي يشدو"قصدت باب الرجا والناس قد رقدوا",ثم يسقط من هذا العالم السماوي إلي قاصدي رجاء آخر والناس قد تيقظوا كل يسعي إلي حاله,وفي مشهد معبر يوضح هوان الثقافة برفض أحد المارة أخذ ديون الصعاليك للشاعر صلاح الطيب بدون مقابل"مليش في الشعر"ثم يظهر متشرد نائم في العراء توقظه صوت سارينة لا نعلم هل هي حقيقة أم من خياله,فيركض خوفاً تاركاً قلمه علي الرصيف,وفي لقطة ذكية ندرك أن هذا المشرد هو نفسه صلاح الطيب,وفي ذات اللحظة يُستدعي للذهن الفنان العظيم نجيب سرور,الذي ممن يُهدي إليهم الفيلم في النهاية.
طوال النهار وقطعاً من الليل,لا يردد غباشي"الدرويش"إلا ورقة قلم,يعرض عليه صاحب كشك بسكويت بدلاً من الورقة والقلم,فيضحك في سخرية رغم الجوع الذي يعتصره,تلفظه الشوارع ويهرب منه الناس,بمظهره الأشعث وملابسه المتسخة التي تشي بمأساة رجل تجرد من كل شئ إلا قلبه...
وعبر لقطات فلاش باك نتعرف علي صلاح الطيب في مجده,ثم تهرب الوسط الثقافي منه-الفيلم يعتبر إدانة للوسط الثقافي-ونتعرف أكثر علي أداء العزف المنفرد بمصاحبة الكاميرا لأحمد صبري غباشي,أداء يثير الشجن واتهام الذات بل وجلدها علي ضياع العديد من المواهب في الشارع,نجيب سرور,وعبد العزيز مكيوي مثالان شهيران علي ذلك,فمن لايملك الموهبة يتسيد المجالس والمبدع الحقيقي لا يجد الورقة والقلم,ويكتفي بأكل وشرب ما يصادفه في الشارع!
يبدأ صوت الدرويش في الإعلان عن نفسه شعراً بقصيدة مصطفي إبراهيم"المولوية"بعد أن أهدته فتاة تعرف قدره قلماً,لكنها سرعان ما انشغلت بتحويل روايتها لفيلم,وورقة من بين أقدام مدعيان ممن يملأون مقاهي وسط البلد صخباً وسخفاً,وفي النهاية نراه يرقص رقصة خفيفة مع ديوانه الذي وجده ملقي في الشارع,رقصة درويش حقيقي لا يعترف إلا بفنه وكلماته,محلقاً فوق عالمنا الأرضي القاسي,متحرراً من حاجات الجسد والتزامات المجتمع رقصة"العشوقية والمعشقة".
وينتهي الفيلم بصوت أم كلثوم مفعماً بالحيوية والأمل"يا صباح الخير يا اللي معانا"...نهار جديد يحياه( الدروايش).
No comments:
Post a Comment