Saturday, 28 January 2017

سينما يوسف شاهين جـ2 - أفلام السيرة الذاتية

أجواء (يوسف شاهين) السينمائية
2 - أفلام السيرة الذاتية
بقلم: أحمد صبري غباشي


في القسم الثاني من هذه الدراسة عن #سينما_يوسف_شاهين سنتناول مرحلة صياغته لسيرته الذاتية ..
 ولنسأل هنا سؤالاً .. من يستطيع أن يتعرى فكرياً ، ونفسياً ، واجتماعياً ، وجنسياً وبكافة الأشكال الأخرى – إلا من الملابس بالتأكيد – أمام الجماهير ؟!
 (يوسف شاهين) فعلها .. وهذا أمرٌ يحتاج إلى جرأة نادرة وصدق بالغ .. ولقد أقنعنا هو فعلاً بالنسبة لجرأته أكثر من مرة حتى آمنا بها ، أما بالنسبة للصدق فلا أحد يستطيع أن يجزم بهذا الأمر سوى (شاهين) نفسه لأنه أدرى بتفاصيل حياته من الناس كلها ، وهو الوحيد الذي يدري هل نقلها كما يجب أم لا ؟ .. لكن على كل حال لا نستطيع أن ننكر أنه قد نجح بالفعل في جعلنا نشعر بصدق أعمال سيرته الذاتية هذه سواء كانت صادقة أو مبالغ فيها !
 وبشأن موضوع سينما السيرة الذاتية هذا فقد تأثر (شاهين) في هذا الأمر بمخرجين قد سبقوه إلى هذه التجربة .. مثل المخرج الإيطالي (فيلليني) ، والفرنسي (فرانسو تريفو) ، و(بوب فوس) .
يجزم بعض النقاد بأن معظم أعمال (يوسف شاهين) على مدار سنوات إبداعه الستين فيها شيءٌ منه .. وأنا أعتقد أيضاً أنه دوماً يودع تكوينه النفسي وبعض صفاته وجزءٌ من شخصيته في أحد شخصيات كل فيلم يخرجه .. ولما وجد أن عنده المزيد في هذا الصدد لا زال لم يقدمه بعد ؛ فقد بادر بإصدار رباعية سيرته الذاتية غير المتصلة : (إسكندرية ليه ؟) ، و(حدوتة مصرية) ، و(إسكندرية كمان وكمان) ، و(إسكندرية .. نيويورك) ..
 في هذه الأفلام الأربعة كشف نفسه وهواجسه تماماً وعلى كافة الأصعدة بشكلٍ نادر أن يحدث .. وأصبحت تجربته هذه بمثابة أول سيرة ذاتية في تاريخ السينما المصرية .
فقط استبدل اسمه الحقيقي باسم يبدأ بنفس حرفي اسمه (يحيى شكري) كي يستخدمه ويظل ثابتاً مع الشخصية خلال الأربع أفلام .
 وبشأن أفلامه هذه قالت الناقدة (سعاد شوقي) في كتابها الوافي عنه :
" .. ولعلنا نلاحظ أن (يوسف شاهين) من السينمائيين العرب القلائل جداً الذين استطاعوا الحديث عن أنفسهم وهمومهم وهواجسهم الذاتية دون الابتعاد عن هموم الوطن والمجتمع ، حيث يلتقي عنده الهم الذاتي بالهم الموضوعي بلا أي افتعال ؛ فيؤلفان نظرة نقدية ثاقبة وحادة للواقع الاجتماعي والسياسي ..
 إن عرض (شاهين) لذاتيته لا يعتبر عرضاً لنرجسيته ، أو حتى لتمجيد الأنا .. فيوسف شاهين لا يتحدث عن نفسه من منطلق النرجسية وإنما يتحدث عن نفسه ليكتشفها ويكشف معها تناقضاته وهواجسه وتربيته وأفكاره وضعفه وقوته وعائلته .. بل ومحيطه ومجتمعه . "
في هذه الأفلام سالفة الذكر تحديداً نقترب من (يوسف شاهين) كفنان ، ومخرج ، وإنسان عادي .. فهو في (إسكندرية ليه؟) قدم عرضاً لسنوات صباه وحلمه بالسفر لأمريكا من خلال تجسيد الفنان الموهوب (محسن محيي الدين) للدور .. وقدم بشيءٍ من التفصيل الكثير من الأفراد في محيطه .. أصدقاءه .. عائلته .. عشقه للمسرح وحلمه بدراسة الفن في أمريكا ، وكفاح عائلته المادي من أجل تحقيق هذا الحلم ومن أجل أن ينال حظه من التعليم كأبناء الطبقة البرجوازية .. وينتهي الفيلم بوصوله إلى أمريكا بالفعل .. البلد الحلم .. الذي سيكتشف فيما بعد أنها كابوس ..
وفي (حدوتة مصرية) يتناول حياة (يحيى شكري) أيضاً – وقد لعب دوره (نور الشريف) .. ولكن بصفته مخرج ناجح هذه المرة وليس مجرد صبي يدرس لا زال يحلم ويدرس العلم .. تعرض لطفولته ، ولعلاقته السيئة بأمه المتسلطة ، وكذلك علاقة أخته به ، وعلاقة الفتور بينه وبين زوجته .. وبعض مشاكل أفلامه كمخرج .. أكثر ما وضح في هذا الفيلم هو الجمع بين (يحيى الكبير) المخرج الناجح ، و(يحيى الصغير) الطفل المتمرد في تناول فانتازي كان له أثره .. لينتهي الفيلم بتصالح بين الاثنين وتنزل كلمة (البداية) بدلاً من كلمة (النهاية) كتصور من (شاهين) نفسه أن في تصالحه مع ذاته وفي عيشه لحالة السلام النفسي هذه بداية حياة جديدة له .
وبالنسبة لفيلم (إسكندرية كمان وكمان) فأعتقد أن (شاهين) قد عبر بكلمات موجزة عن الفيلم أفضل من أي تعليقات روتينية كنت سألقيها أنا هنا .. فقد قال :
" (إسكندرية كمان وكمان) إعلان عن الذات .. فضح الذات .. هو أوهامي .. اختبار أوهامي .. معرفة هل هي أوهام !! .. تقول إن عنوان فيلم (كيروساوا) الجديد : (عشرة أحلام) . برافو عليه . فيلم عن أحلامه وهو في السبعين من عمره أو أكثر . إنه الموضوع الوحيد الصحيح بالنسبة إليه الآن ، وبعد كل ما قدم من أفلام .. لقد اخترتُ أيضاً الموضوع الصحيح وحديثي إلى الشباب . أنا لم أنجب ذكوراًَ ولا إناثاً ، ولكني أشعر بالأبوة تجاه (يسرا) كما شعرت بها من قبل تجاه (محسن محيي الدين) ..
 ليست الأبوة تماماً ، ولكنه شعور بالمسئولية المقترنة بالحب . أتضايق جداً عندما يُقال ماذا قدمت الأجيال الجديدة .. لا روائي منذ نجيب محفوظ ، ولا مغنية منذ أم كلثوم ، ولا مخرج منذ فلان أو علان . هذا غير صحيح .. وإن كان صحيحاً فاللوم على نجيب محفوظ وأم كلثوم ، وإذا لم يكن هناك صلاح أبو سيف جديد أو توفيق صالح جديد فأجيالنا قد فشلت إذن .
تعبت جداً .. 12 أسبوع تصوير ، وملايين صُرفت ، ولكنه إرهاق لذيذ جداً .. الأشد إرهاقاً كان التمثيل  : تمثيل دوري في الفيلم ؛ كما أنني قمتُ بالغناء أيضاً .. كان (يسري نصر الله) وراء الكاميرا وأنا أمامها في معركة بكل معنى الكلمة . لا أستطيع أن أمثل وأخرج في نفس الوقت ، ولكن كان لابد من ذلك .. الفيلم كله عن المستحيل .. المستحيل في صور "
أما عن فيلمه الرابع والأخير في أفلام سيرته الذاتية : (إسكندرية .. نيويورك) فلن أثرثر بخصوصه كثيراً ها هنا لأني قد خصصت له مقالاً مستقلاً ، وذلك لأني أعتبره أروع أفلام سيرته الذاتية بكل ما تحمله الكلمة من معاني .. لكني فقط أقول أنه في هذا الفيلم قد استكمل الحلقة المفقودة ، والتي فقدها المُشاهد في الأفلام الثلاثة السابقة .. وهي : فترة دراسته بكلية فيكتوريا وما تعرض له من مصاعب وأزمات ، وعرض قصة حبه كذلك .
الإسكندرية عند (شاهين) رمز .. يصورها في أفلامه كحلم جميل .. تكتمل في وجوده أركان التسامح والجمال والنور والسعادة .
* * * *

No comments:

Post a Comment