حكاية ممشوق وغاوية
جريمةُ حبٍ ضدّ الـ (مَكتُوب)
* * *
بقلم: أحمد صبري غباشي
كانت (غاوية) ملكةُ البلادِ ، وقد أبلغَها وزيرُها بنبأ جريمةِ القتلِ التي وقعَت في الليلةِ الماضية ، وطلبَ منها أن تشهدَ اليوم تنفيذَ حُكمِ الإعدام طبقاً لقوانين البلاد .
ولما سألته عن تفاصيلِ الأمرِ ، أخبرها أنّ :
(ممشوق) الشاب كان في حضرةِ (مكتوب) العرّاف العجوز الذي يعرفُه كلُ أهلِ المدينة ، ويعرفون جيداً أن نبوءاته قلّما تخطئ .. كان الشابُ جالساً بين يدي العرّاف ، وبينهما البللورةُ السحرية .. يتأملها العجوز ، ويقرأ له فيها مستقبله .
- "قد تتزوجُ يا ولَدي قبل أن تبلغَ من عمرِك الخامسةً والثلاثين"
- "فعلاً ؟ ولكن هذه مخاطرةٌ كبيرة !"
(ممشوق) الذي لم يتم عِقده الثالث بعد كان قد نسي أن يزيلَ أثرَ أحمرِ الشفاه من رقبته ؛ بعد أن أغرقته ابنةُ الحطّابِ بالقبلاتِ في مواضع شتّى من جسده ، فمَسَحَهُ بيدِه بسرعة لأنه انزعج عندما انتبهَ العرّافُ العجوزُ (مكتوب) لهذا . لكنه انزعج أكثر من نبوئته التي يلوّح له فيها بكابوسِ الزواج ..
- "لا يا ولدي .. لقد أخطأتُ القراءةَ .. قد تتزوجُ قبل أن تبلغَ من عمرك الثالثةَ والثلاثين."
- "فعلاً ؟ هل هذه دعابةٌ أيها العجوز؟"
(ممشوق) الفتيّ الممتلئ بالحياة ، ضاقَ صدره .. صَدرُه المَحشو بقصص غرامٍ تفوق عدداً حبّات العقد الملتف حول رقبة هذا العرّاف العجوز . مَدّ العجوز يده على كتفِ (ممشوق) ليمسك بشعرةٍ طويلةٍ كانت على كتف الشاب نائمةٍ تسكن في دلالها الأنثوي . أمسكها ووضعها أمام وجهه في لومٍ دون أن يعلّق .. ثم نظر مرةً أخرى للبللورة وقال :
- "اغفر لي يا ولدي فقد أخطأتُ أيضاً هذه المرة .. العتب على النظر .. الأكيد أنك ستتزوجُ قبل أن تبلغ من عمرك الثلاثيـ.."
لم تكتمل العِبارة لأن (ممشوق) كان قد هوى بالبللورة السحرية على رأسِ (مكتوب) العرّاف العجوز الذي قلّما يخطئ ، فسقط ميتاً في سلامٍ بلا كلام . وقد فعل الشاب هذا لأنه لم يحتمل أن يسمع هذا النبأ المروّع . زواج قبل الثلاثين ؟ أي بؤسٍ هذا !
وأنهى الوزيرُ حكايتَه لملكتِه (غاوية) بأن قال لها :
- "وهكذا يا مولاتي ، قَبضنا عليه من أجلِ القصاصِ ، وتنفيذِ حكمِنا العادل".
ولما أقبلت الملكةُ بكلِ بهائها ، وجَمالها في ساحةِ التنفيذ ، وجدت الحرّاس يقتادون (ممشوق) سيراً إلى مكانه حيث يُشنق .
لاحظَت أنه كان يمشي بينهم في مرحٍ كأنه في نزهة . كأنما إعدامُه أخفُ وطأةً عليهِ من الزواجِ قبل سن الثلاثين .. لاحظَت هذا فتعجّبت ، وسألت نفسها "هل هو مجنون؟" .. عندما اقتربَ تبيّنَت شيئاً آخر لم يكن وزيرُها أميناً في نقلِه .. رأت (غاوية) أن (ممشوق) كان شديدَ الوسامةِ ، ذو جاذبيةٍ كاسحةٍ .. فرفعت حاجبها في إعجابٍ متعالٍ ..
وهكذا اقتربَ حتى وصلَ لمكانِهِ واقفاً على كرسيّ ، وأحدُ الحرّاس يستعدُ لـ لفّ الحبلِ حولَ رقبتِه كي يُنهيَ بذلك تاريخه الحافلَ في عشق الصبايا .. كان هذا عندما وقعَ بصرهُ فجأةً على (غاوية) ، فضَحك بشغفٍ بالغٍ لأن جمالها قد ملأ عينيه ..
ظلَّ ينظرُ لها ، وتنظرُ له . الجميع في انتظارِ تصديقِ الملكةِ على تنفيذِ الحُكم . الوزير يرمق المشهد من بعيدٍ في تعجب ويترحّم على العرّاف العجوز (مكتوب) . نصف أنظار الناس تتجه صوب (ممشوق) ، والنصف الآخر صوب (غاوية) ..
تنظرُ له ، وينظرُ لها .. ينظرُ لها ، وتنظرُ له .. وينظرُ الناسُ لهما .
ظلاّ ينظران لبعضهما لسنواتٍ طويلةٍ قبل تنفيذِ الحُكم .. وكانت هي الحَبل .
* * * *
أحمد صبري غباشي
لغة سلسلة ، ليها انطباع خاص بكاتبها بعكس اللي بنشوفه اليوم من مواهب فاترة مزورة تتجه للتقليد كأنه القبلة ، قصة حلوة قصيرة .
ReplyDeleteجميلة ولكن احسست أن النهاية مبتورة !
ReplyDelete