Sunday, 12 February 2017

الأديبة نجلاء محرم: أحمد صبري غباشي، إرهاصة بميلاد جيل جديد من الكتّاب 2007




(أحمد صبري غباشي)
إرهاصة بميلاد جيل جديد من الكتّاب



" تقديم الأديبة : (نجلاء مِحرم) 2007"

    مسترخيا تجلس تحوطك الرتابة وأنت تمسك ـ ككل يوم ـ وريقاتٍ لتقرأ ما فيها.. فإذا بك تعتدل في جلستك.. وتعود لتقرأ بانتباه سطورا قرأتها نصف شارد..
عندئذ تكون قد صادفت كتابة لافتة.. وبعدئذٍ ستتحرى كاتبها لتؤكد رأيك فيه أو تنفيه..
فإذا استطعت تأكيد رأيك ـ وهذا أمر قليل الاحتمال ـ ستتكرر جلساتك لتتابع حروف هذا الكاتب وسطوره ومواضيعه وأنت سعيد طرِب وقد فارقك استرخاؤك الرتيب.

    ولعل حظي السعيد قد أتاح لي المرور بهذه التجربة النادرة حين قرأت لـ (أحمد صبري غباشي).. حيث تفاجأت بكاتب لافت.. ثم عاودتني المفاجأة حين علمت أن عمره ـ حين قرأت له أول مرة ـ لم يكن قد تعدى الخامسة عشرة إلا بشهور.. وبعد ذلك التقيته لأجده إنساناً مهذباً وديعاً ذكياً خجولاً..
ونظرياً إذا حاولنا وضع ملامح لصورة الكاتب المبشر سنقول أولاً: الموهبة.. وثانياً: اكتشافه المبكر لنفسه والتقاطه لمرحلة تفتحه ورعايتها لتسريع انطلاقه بعدئذ كاتباً مكتملاً معطاءً.. وثالثاً: حسن تفاعله مع الوسط الأدبي والثقافي.
و(أحمد صبري) يمتلك هذه العناصر المُشَكِّلة لصورة الكاتب المميز، موهبة حقيقية متوهجة لا تستطيع أن تحصرها في حدود الموهبة الأدبية، حيث من الأفضل أن تصنفها كموهبة عقلية، تتضح حيناً في الإبداع الأدبي وتأتلق حينا في المقال السياسي وتفرض نفسها حينا آخر في النقد الفني.. والأحايين كثيرة والائتلاق مبهر.
ثم تأتى ميزة اكتشافه المبكر لموهبته.. وتقديره لحلمه وسعيه الحثيث للوصول إليه.. فأحمد شخص يؤمن بجدوى ما يفعله حتى وإن كان ينكر هذا، إلا أن دأبه في متابعة الخطو في طريق الكتابة، واعتنائه بهذا الشق الإبداعي في ذاته وتطويعه لحياته دعما له، يؤكدان مدى إيمانه بموهبته وتقديره لها وسعيه واثقا نحو هدف واضح تمام الاتضاح في مخيلته.
فإذا أضفنا إلى ما سبق قدرته على التفاعل مع الساحة الثقافية بجميع مفرداتها البشرية والمعنوية والتكنولوجية، وإدراكه لكون هذه الساحة مكتظة بما هو ملائكي وما هو نقيض ذلك وأن عليه أن يتعامل مع أطيافها السلبية والإيجابية بنظرة واقعية نابعة من نضج مفهومه حول طبيعة الوجود الإنساني بخيره وشره، سنطمئن إلى ثبات خطوه في طريق الإبداع دون إحباطات وإحجامات وانكسارات.. وبالتالي دون تعثر وتعطل.

    عرفت (أحمد صبري) قاصاً ثم توالت بطاقات التعريف التي قدمها لي ولغيري من متابعيه.. وهذا الكتاب: (ومضات من حياة بشر) هو واحدة من هذه البطاقات التي تحمل اسمه وتحمل ملامح موهبته المتعددة الأطياف.
ففي ومضاته نلمح كاتب القصة الموجز القناص للحظة المتمكن لغويا وإبداعياً..
وأيضاً نراه راصداً سياسياً يصيب بسهام حروفه جوهر أزماتنا وانكساراتنا السياسية سواء على الساحة الدولية أم العربية أم الداخلية.
إضافة إلى قبضه على العديد من تشوهاتنا الاجتماعية ولعل أكثر ما تفاعلت معه في هذا المجال هو رصده لإحساسنا بالدونية تجاه كل ما هو أجنبي وتعظيمنا لثقافات الغير وحطِّنا من ثقافتنا.. تلك الآفة التي فتحت الباب على مصراعيه أمام الغير ليتسيدنا وزينت لنا العبودية والانسحاق أمام أسيادنا الجدد.

    وللفن ـ السينما والدراما والموسيقى والغناء ـ وللإعلام التليفزيوني نصيب في ومضات (أحمد صبري)، يتضح هذا في تفاعله مع هذه الفنون وتأثره بها سواء رفضا أو إجابة، وسخريته من العديد من ثمراتها الفجة مُعْليا دور الفن باعتباره دربا من دروب التربية والتهذيب والتثقيف للشعوب.

    (ومضات من حياة بشر)
هل هو كتاب نقدي؟
أم أنه كتاب ساخر؟
أم تراها ومضات قصصية إبداعية؟
صدقوني.. لا تبحثوا له عن تصنيف كي لا تظلموه، فالكتاب بطاقة تعريف بكاتبه ومثلما هو صعب حصرنا إياه تحت تصنيف واحد؛ فإننا كذلك لن نستطيع تصنيف (أحمد صبري) على أنه قاص أو كاتب مقال أو كاتب ساخر أو ناقد أو غيرها من التصنيفات..
هل أستطيع القول أن (أحمد صبري) هو بداية جيل المبدع الشامل، وأنه بشارة بقرب نهاية عصر التخصص الفني الصارم البغيض؟ حيث القاص لا يفهم في الموسيقى والطبيب لا يقدر الرياضة والناقد لا تتسع معارفه إلا لبضع نظريات نقدية جامدة صارمة، والمهندس يتخاصم مع التاريخ..

    هل نعتبر (أحمد صبري) إرهاصة بميلاد (صنف) المبدع الشامل؟
أستطيع باطمئنان أن أزعم هذا.. ولتترصدوا ـ كما ترصدت ـ في هذا الكتاب ينابيع ثقافته لتروا كم هي عديدة ومتنوعة وثرية.

(ومضات من حياة بشر)
كتاب سعدت بتقديمه لكاتب أشرف بأن أكون أحد الراصدين لبزوغ نجمه الوهاج.


نجلاء محمود محرم


  

No comments:

Post a Comment