Wednesday, 1 February 2017

ومن النَشرِ ما قَتَل - أحمد صبري غباشي



ومِن النَشرِ ما قَتَل
بقلم: أحمد صبري غباشي

قال الكاتب الكبير (محمد عفيفي) ذات مرة : "ليس الثمن المكتوب على غلاف الكتاب هو الذي يحدد قيمته ، فرُبَّ كتابٍ يُباع غالياً ولا يزال مع ذلك كتاباً رخيصاً "

* * * *

نعم .. توجد فوضى واضحة في عملية النشر .. فمِن حول أصحاب المواهب النظيفة التي تنبت بين حينٍ وآخر ، يتكاثر من هم ليسوا كذلك .. ترى الآن كل شخص يكتب في أي شئ ، ويقتحم بجرأةٍ مجالاتٍ لا ناقة له فيها ولا جمل .. الإلحاد وقضايا الديانات لم تعد تخص الفلاسفة وكبار المفكرين كما كانت في السابق .. أنت الآن في 2010 ، حيث لا عجب في أن يرسل لك صديقك (تيكست) كتابه الجديد على (الإيميل) الذي يحوي أفكاره بشأن الإسلام ، ووجود الله ، وما لا يعجبه في المسيحية ، وما يستهويه في البوذية !!!

هذه الأمور التي كانت تشغل الخاصة ، قد أصبحت مشاعاً للعامة ، وفي متناول يد الجميع !

ما هي الموضة في رأيك هذه الأيام ؟ الأدب الساخر ؟ .. فلنكتب كتاباً ساخراً ، والخلطة معروفة : شوية تريقة على أوضاع البلد + توضيب نكت على كم مسئول على حبة أباحة .. وتصير محط الأنظار !

فلتكتب ما تشاء ما دمتَ تدفع !
فلتساهم في تشكيل وعي وثقافة هذا الجيل ما دمتَ تدفع !
هل أنت أهلٌ لهذا ام لا ؟
لا يهم ، فأنت تدفع !

لهذا أحترم - وبشدة - دور النشر ، على قلتها ، التي ترى أن النشر فعلاً رسالة خطيرة لا تقل في أهميتها عن أي رسالة إبداعية أخرى .. بل ربما أخطر .. لأن النشر هو من يوصل هذا الإبداع للناس .. ويجب أن يملك الناشر هذه الحاسة كما يملك آلة حاسبة !


القضية ليست في تعدد دور النشر .. كل المشكلة تكمن في خلل مفهوم النشر نفسه لدى الكثيرين ممن يمارسون هذا العمل ..وأعتقد أن الكثيرين من أبناء جيلي الذين خاضوا تجربة النشر يتفقون معي في هذا ..

أعترف أني لا أمتلك الخبرة التي تكفي لتجعلني أصدر أحكاماً في هذا الموضوع .. لكن سوء الوضع يمكن ملاحظته بسهولة !

أعرف أنه في الخارج توجد مؤسسات أدبية وثقافية تعتني بالكاتب ، وتعتبره مشروعها الخاص .. تتبنى موهبته وتروّج له ، وتتولى كل أمور الطباعة والنشر والدعاية والإعلان من الألف إلى الياء .. هذه الصورة - التي تحول الكتّاب هناك إلى كيانات ثقافية تُحترم - هي صورة مشرفة طبعاً .. هذه الصورة يفكر فيها كل كاتب هنا في مصر وهو يتنهد حالماً بغدِ مشرق وعالمٍ أفضل !

أحمد صبري غباشي

20 فبراير 2010

No comments:

Post a Comment