Wednesday, 1 February 2017

تجربة عزازيل.. المسرحية.




تجربة عزازيل .. المسرحية
رغم الإهانات المتوالية التي صدرت ضدي من د. يوسف زيدان ، ووصفه لفريقي – ولي – بأننا سطونا على روايته .. وأن ثورتنا مزعومة .. وأننا خيّبنا ظنه . وبرغم أنه قد حذفني من على صفحته الشخصية ، وعمل لي (حظر) بلوك . وقام بحذفي من صفحتين أنشأتهما خصيصاً لمشروع ضاد هما صفحة "يوسف زيدان" ، وصفحة "عزازيل" ، وكنت أديرهما لما يقرب من ثلاثة أعوام .
رغم هذا كله .. إلا أنه لزاماً عليّ أن ألتزم الأدب في حضرة رجلٍ ساهم بشكلٍ ما في الارتقاء بذوقي وفكري وحسّي وقراءاتي .. فلن أسمح للمواقف الصغيرة الهيّنة المستجدة أن تلغي تاريخاً جميلاً قضيته مع كتابات هذا الرجل .


الجميع الآن يطالبني بكتابة رد ، وهو أمرٌ – لو تعلمون – عسير !
تجربة يندر أن تمر بها ، عندما تصحو من النوم كي ترى كاتبك المفضل يهجوك على صفحاته الخاصة .

حسناً .. ما الموضوع ؟

أنا أحمد صبري غباشي .. كاتب قصصي ، ومُخرج ، وبطل المسرحية المذكورة التي تسمى عزازيل .. والذي كتبتُ نصها المسرحي عن : رواية عزازيل ، وفيلم أجورا .

قبل أي شيء .. أنا من متابعي كتابات د.يوسف زيدان.. وفي آخر حوار لي على الهواء في راديو (بلانكو) في يناير 2013 .. كنتُ أشيد بد. يوسف زيدان بعيداً عن موقفه المتفهم الداعم لنا بخصوص المسرحية ، فقد ذكرت أنني أحترم أسلوبه الأدبي ، وتواصله الدائم مع الشباب ، حتى لقد قلتُ أنه إن كان د. أحمد خالد توفيق أستاذي الداعم دائماً وأبداً .. فإن د. يوسف زيدان – بفكره وأدبه وغوصه في بحر التراث وعروبة الهوية – قد يمثّل أستاذاً لي .. أستاذي الذي لا تجمعني به علاقة شخصية .

بدأ الأمر أنني قررت أن أحول رواية عزازيل للمسرح .. وقبل أن أبدأ بفعل هذا تواصلتُ تليفونياً مع د. يوسف .. ورحّب بالأمر ، وجعل موافقته مشروطة بعدم ربحية الموضوع .. سألنا هل هناك جهة إنتاج ما في الموضوع أم أنكم مجموعة من الهواة ؟ .. أكدّت له أن حالنا ووضعنا وإمكانياتنا المعدومة : هي الترجمة الفعلية لكلمة : هواة .. وألا يقلق من هذه النقطة .. وبناءً عليه أعطانا إشارة البدء .. لتبدأ بعدها رحلة مسرحية عزازيل الطويلة .

أربع شهور من العمل المتواصل .. أنا مع الورق والأفكار .. لا أكثر ولا أقل .. الرواية ثقيلة وعميقة للغاية وبها من الفكر الفلسفي ما يجعل تحويلها للمسرح عملاً شبه مستحيل .. لكني كنتُ مصراً .. حتى فرغت من مهمتي كـ كاتب وانتهيت من النص المسرحي . لتبدأ بعدها مهمتي كـ مخرج وممثل في العرض .
خمس شهور أخرى من البروفات والعمل المتواصل .. وانتقاء العناصر .. الرواية تحتاج إلى عدد كبير .. وإلى طاقات تمثيلية عالية .. والمرمطة .. والصراعات مع أعداء النجاح في الوسط المسرحي الذين حاولوا كثيراً دفننا وتشويهنا وشحن الناس ضدنا .
لكن كنا مصرين .. بدلاً من شخص واحد مصر ومصمم كان في البداية هو أنا .. تحولنا إلى كيان كامل من 25 ممثل مؤمننين بالفكرة وبالمسرحية ومصرّين على عرضها وتقديمها للجمهور .

لا أريد الخوض في تفاصيل العقبات المادية والنفسية والمعنوية والفكرية التي قابلناها .. لكني أريد أن أقول أنه مع كل ضربة كنا نتلقاها ونتخطاها .. كنا نزداد صلابة . وكنا نضع نصب أعيننا صورةً بدت وقتها خيالية .. صورة أفواج وأعداد غفيرة من جمهور الرواية متزاحمة في المسرح وأمامه وقت عرض المسرحية ، وهي في حالةٍ من الرضا والسعادة . وكنتُ أتخيل وجه د. يوسف زيدان الراضي المبتسم وهو في حالة فخر بنا وبمجهودنا المتواضع .

التجربة كـ كل هي أروع قصة نجاح يجب تدريسها ؟ .. نجاح لمن ؟ للفريق ؟ ربما !
لكن الأكيد أنها أكبر قصة نجاح للرواية .. كنت أتخيل د. يوسف زيدان عندما يفكر أن هؤلاء الثلاثين شاباً اجتمعوا فقط على حب الرواية .. لم يكونوا حفنة من الأصدقاء الذين قرروا أن يقوموا بالأمر . بل لم يكونوا يعرفون بعضهم أصلاً قبل العرض ..

فمخرج وبطل وكاتب العرض ... أحمد صبري غباشي (من عشاق الرواية ، ومن قراء د. يوسف) .. دفع سنة من عمره .. لا لمقابل مادي .. ولا مجد ولا لشهرة .. ولكن لأنه أراد فقط أن يرى روايته المفضلة على المسرح ..

مهندس الديكور والإضاءة .. عمرو الأشرف .. (من عشاق الرواية ، ومن قراء د. يوسف) .. كان يترك عروضه في دار الأوبرا ، ويترك عمله ويسافر خصيصاً للمنصورة ليلتقي بالفريق – الذي لم يكن يعرف أي عضو فيه من قبل بالمناسبة - .. ولكن تعرف عليهم وانضم له لحماسه الشديد للتجربة ولإيمانة بالفكرة .. لا لمقابل مادي .. ولا لمجد أو شهرة .. فهو أصلاً مهندس في الأوبرا وله اسمه .

هناك أيضاً .. عبد الله عبد العاطي .. أحمد البطل .. عصام حجاج .. مصطفى محمود .. لم يكن لهم علاقة من قبل بالفريق ولا أفراده من قريب ولا من بعيد .. مجموعة من الشباب المثقف المتحمس الذي قرأ الرواية ويحبها .. كانوا وكأنما ظهروا لنا من العدم في أحلك لحظات يأسنا وإحباطنا .. عندما كنا نسرح في الشوارع بحثاً عن مكان نعمل فيه بروفة واحدة .. ولما علموا بأننا كفريق مسرحي ننفذ الفكرة التفوا حولنا ودعمونا وقدموا لنا كل ما يمكن أن يقدموه ، وصاروا بمثابة فريق إداري قوي للتجربة .

فريق ميلوفرينيا نفسه .. الذي قام بالتجربة وانعجن فيها .. شباب نظيف ثار على منظومة مسرح فاسدة وله فكر معين يريد أن يقدمه ، وذوق معين يريد أن ينشره .. بدون أي مقابل سوى الاستمتاع ونشر الفكرة .

أي أن الموضوع كـ كل ، وببساطة ، أن قراء رواية عزازيل .. بحثوا عن بعضهم ، وتعارفوا ، والتقوا خصيصاً واتفقوا على أن يقدموا مسرحية عزازيل كـ هدية لجمهور الرواية .

وتم الأمر .

عرضنا أول عرض في الزقازيق .. وما إن تم العرض حتى أرسلت الصور على الفور لد. يوسف زيدان الذي أخبرني في رسالة على الفيسبوك أنه فخور بنا .
وحصد العرض جوائز كثيرة في مهرجان الزقازيق ..وبسبب العرض كسبت جمهوراً رائعاً من الزقازيق وتعرفت على فنانين محترمين يشاركونني نفس الروح الثورية غير الزاعقة ، ولكن المنتجة .
ثم أقمنا عرضاً جماهيرياً واحداً في المنصورة .. ولقى إقبالاً كبيراً واستحساناً كبيراً . وتفضل د. يوسف نفسه مشكوراً بنشر أخبار العرض على صفحته .

ثم شاركنا بالعرض في مهرجان آفاق مسرحية – أكبر مهرجان مسرح حالي في مصر – وتقرر تقديمه على مسرح البالون .. وأخطرت د. يوسف زيدان بالأمر ودعوته للعرض . وصرّح هو للصحافة أنه لن يحضر العرض لأنه لا يريد أن يسرق مننا الأضواء وكي تكون الليلة ليلتنا وحدنا .
وتم العرض يومها .. كان يوماً أسطورياً .. أعداد غفيرة تتوافد على المسرح حتى أن طريق كورنيش النيل انسدّ فعلاً ، والناس تقف طوابير خارج المسرح ..
طوابير خارج المسرح !!! هذا هو حلمنا أصلاً .. أن نعيد الجمهور للمسرح .. المسرح الفن الميت في مصر ، الفن المُهدر دمه رغم كونه من أهم وأرقى الفنون .. رغم كونه أبو الفنون .
كنا في بداياتنا في حواراتنا الصحفية نتكلم عن رغبتنا في أن (نعيد الجمهور للمسرح) .. عبارة بدت يومها كبيرةً جداً وفضفاضة .. لكن ها هو الأمر يحدث .. الزحام شديد أمام المسرح ، وصالة العرض لم تستوعب العدد رغم تواجد الجمهور يشاهد وقوفاً وقعوداً وعلى جنوبهم .
حتى أننا – بفضل الله – اضطررنا لإعادة العرض مرتين متتاليتين لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الجمهور الحاضر .

كانت إدارة مهرجان في هذا متفهمةً جداً ومرنة .. أ. هشام السنباطي مدير المهرجان ، وأ. وليد طه مدير المسرح .. على قدر عال من التفهم والمرونة .. لندرك أنهم بدورهم يحاولون بهذا المهرجان الخروج عن المألوف وكسر المنظومة الفاسدة .

د. أحمد خالد توفيق الكاتب الكبير معنا في الكواليس وحالة إعجاب ورضا شديد عنا وعن العرض ..
الناقدة د. نهاد صليحة ، أشهر وأصعب ناقدة مسرحية في مصر .. معجبة بالعرض جداً .

ثورتنا تنجح إذن .. ومعاناتانا لم تذهب هباءً .

بعد أن أنهينا حساباتنا المادية ، وذهب كلٌ منا لبيته ونحن مديونين كالعادة – ولم نسدد ديوننا حتى لحظة كتابة هذه السطور على فكرة – بسبب تأجير الملابس والانتقالات والماكياج وما شابه . كنا في حالة من السعادة والرضا . وكم تمنيت لو كان د. يوسف موجوداً .
وجدتُ د. يوسف نفسه بعدها ينشر أخبار العرض ، ويصفنا بالمتوهجين .. ثم ينشر نقداً سلبياً عنا ويدعو الناس للترفق بنا ، وعندما كانوا يسألونه عن حقوقه .. يقول لا حقوق عندي لدى المتوهجين . وكم أسعدني هذا .

واستضافتنا الإعلامية الكبيرة دينا عبد الرحمن في برنامجها مشكورة .. وقد كانت حاضرة العرض بالمناسبة . وقدمت تقريراً مصوراً عن المسرحية ولقاءً معنا .

وتلقينا دعوات من أماكن ثقافية مهمة جداً في مصر وراقية لكي نقدم عروضنا هناك .. وكان الأمر إيجابياً.

لا أدري ما الذي حدث بعد عرض البالون جعل الميزان يختل والأمور تختلف !

تلقيت مكالمة هاتفية طويلة من د. يوسف زيدان يطالبني فيها بوقف العروض نهائياً .
صُعقت طبعاً من الطلب .. وناقشته طويلاً فيه .. وحاولت أن أفهم السبب .
كلمني عن التشويش الحاصل للشخصيات .. وعن مشهد موت هيباتيا .. وعن أنه تلقى عروضاً كثيرة من منتجين ، آخر هذه العروض كانت عندما زاره خالد النبوي ومحمود حميدة كي يتك تحويل الرواية لفيلم .. لكنه رفض لأنه رأى أن خالد النبوي أوسم من هيبا الذي في خياله .
وكلمني عن أن اتفاقه معي كان على عرض واحد في المنصورة ننبسط بيه ثم لا شيء .. وقال لي أننا لم نتفق على مهرجانات وعروض في القاهرة وكل هذا .

رددتُ عليه في كل نقطة على حدة :
أي تشويش يا د. يوسف ؟ . كل جمهور المسرحية كان جمهور الرواية أصلاً .. وتستطيع بنفسك أن ترى ردود الفعل الإيجابية على الإنترنت .. الكل يرى أن المسرحية والرواية تصبان في نفس النقطة .
كما أنني أرجو فقط أن تحضر وبعدها نتناقش للصبح .
قال لي أنه قد أرسل بعض الحضور للمسرحية ممثن يثق في رأيهم بشدة .. وقد أكدوا له أن تشويشاً ما قد حصل !

مشهد موت هيباتيا . كيف أقدم هيبا قاتلاً ؟
هيبا هو لم يكن قاتلاً بمعنى المفهوم .. انا عالجت المشهد بطريقتي بحيث يبدو كلاهما ضحية التعصب الأعمى .. هيباتيا نفسها قد طلبت منه أن يقتلها رحمةً مما قد يفعلونه بها ، وهو قد وافق .. أفادني في هذا المشهد الشهير في فيلم أجورا وعالجته بطريقتي .. هذه هي رؤيتي الدرامية كمخرج وكاتب لإحساس هيبا بالذنب طيلة الوقت في الرواية تجاه موت هيباتيا .. بدلاً من تقديم الموت والسحل الذي لن يكون جذاباً على المسرح .
والمشهد أصلاً لقى استحساناً شديداً من الجمهور .
ثم إنك لم تطلب أن ترى النص الذي كتبته قبل العرض وهذه نقطة احترمتها أنا بشدة .. فما المشكلة الآن ؟
أنا لم أفعل شيئاً في السر وموقفي واضح منذ البداية .. وكل خطواتي كانت تتم في النور وبعلم حضرتك .

هل هذا المشهد هو المشكلة إذن ؟ حسناً سأعالجه .
أخبرني أن لا .. لا تعالج .. ابحث عن رواية أخرى غير عزازيل ، ويكفي هذا .


عروض المنتجين ؟
وما الضرر الذي سنشكّله نحن في هذا الصدد ؟ نحن مجموعة من الهواة الذين يتحركون بصعوبة بالغة أصلاً .
نحن نتكلم في ليلة عرض واحدة هي بالنسبة لنا كل المجد وغاية الحلم .. وبالنسبة لك وللمنتجين لا شيء !
ثم إننا لا نكسب من وراء الموضوع مليماً ! لقد اتخرب بيتنا فعلياً . لكننا مع ذلك مستمتعين .. وفخورين جداً بالجمهور الراقي الذي كسبناه وتعرفنا عليه .
هل تتم الآن محاسبتنا على نجاحنا أم ماذا !

وتناقشنا طويلاً في المكالمة .. ثم راح د. يوسف زيدان يقرأ لي – وهذا أروع جزء في المكالمة – مشهداً كان يكتبه حالاً من روايته الجديدة جوانتانامو .. كي أنسى كل ما في نصف المكالمة الأول من توتر ، وأصيخ السمع في سعادة لأن كاتبي المفضل يقرأ لي مقطعاً جديداً يكتبه حالاً .

وانتهت المكالمة على لا شيء !


مؤخراً في اتصال تليفوني بيننا .. أكد لي د. يوسف زيدان موقفه وهدد باتخاذ إجراء قانوني .. وكان محتداً جداً .. أخبرته أن يا دكتور .. لقد التزمت بطلبك وبالفعل لم أنفذ أي اتفاق على عروض جديدة رغم الدعوات المتوالية التي تلقيتها .. وأن عرض الهناجر هو نفس عرض البالون .. هو نفس المهرجان .. بمعنى أنه ليس اتفاقاً جديداً ولكنه مجرد تصعيد للمهرجان الختامي لأنني فزت ..
فقال لا .. مفيش مهرجانات .. وأنني طرف في خطب جلل لا أدري ما هو .. وأنني أتعامل باستخفاف شديد .
حاولت أن أشرح أن يا دكتور .. الأمر ليس في حاجة إلى أي حدة .. نحن لا نتعامل بنديّة طبعاً .. نحن في المقام الأول والأخير قراؤك .. وكل ما في الأمر أنني قرأت الرواية .. فأحببتها .. وأحسستها .. وأحببت أن أجسدها .. فاستأذنتك .. وقد كان . وفي النهاية كل ما تريده سيكون ، وكلامك هيمشي .. فقط امنحنا فرصة للحوار .. لكنه كان مصراً على أن جلستي معه مشروطة بأن أعتذر أولاً عن المهرجان . مما جعلني أعيد التفكير في الأمر .


آخر ما تم التوصل له .. أنه قد تم السماح لنا بأن نعرض في مهرجان آفاق مسرحية على مسرح الهناجر ، لكن على هامش المهرجان .. خارج المنافسة .. وما هذا إلا استمرار لمسلسل الظلم .

فقط كلمة الأخيرة إلى الأخ المتحمس الذي يوصي د. يوسف زيدان بأن "يضربنا بيدٍ من حديد" ..
لسنا نحن من يستحق الضرب بيد من حديد يا أخي .. افتح التليفزيون وخذ جولة في القنوات .. راقب فساد الذوق العام ، وما يحدثه الإعلام من تلفيات مستمرة في العقل العربي .. وستعرف من يستحق الضرب بيدٍ من حديد .

نسأل الله السلامة .



أحمد صبري غباشي

No comments:

Post a Comment